كتاب هذا الأسبوع لا يتحدث عن القباحة فقط، بل عن التاريخ الثقافي للقباحة حيث يتقصى الكتاب تاريخ مفهوم القباحة، وكيف تغير هذا المفهوم، وتبدلت استعمالاته باختلاف الثقافة والزمان والمكان، وما الذي كان يترتب على وصف الشيء بالقباحة؟ هل القباحة عكس الجمال؟ أين تكمن القباحة بالضبط؟ وسنمر أثناء عرض الكتاب بالعديد من النماذج التاريخية التي مثلت القباحة؟ سنتحدث عن أندية عرفت بنادي الوجه القبيح، وعن جوليا باسترانا التي وصمت في وقتها بأقبح امرأة في العالم، وسلع جثتها بعد موتها، وعن قوانين القباحة التي كانت تحضر على المشوهين الظهور في الأماكن العامة وغيرها، فدعونا نستعرض كتاب التاريخ الثقافي للقباحة للباحثة الأمريكية غريتشين هندرسن.
مفهوم القباحة
القباحة من المفاهيم الرمادية التي يصعب الإمساك بتعريف وحيد لها، لأن العوامل التي ساهمت في تشكيل مفهوم القباحة في خيالنا وثقافتنا كثيرة ومتنوعة، فنحن نتعرض لها في استعمالاتنا اليومية وفي التلفزيون والأفلام والحكايات، مثل قصة الجميلة والوحش، وحش فرانكشتاين، وغيرها من الحكايات التي كان القبيح شخصية رئيسة فيها. وهذا ما حاولت مؤلفة الكتاب توضيحه في مقدمتها التي استعرضت فيها نماذج سريعة لاستعمال مفهوم القباحة في الآداب والفنون التلفزيون والقانون، والاعتقادات الشعبية، وتصورات الفلاسفة المختلفة، لتثبت لنا تعقيد هذا المفهوم الذي لا يمكن اختزاله، فكان الكتاب محاولة للبحث والتنقيب عن فكرة القبيح، ومترادفات القبيح عبر التاريخ، ومختلف الثقافات.
القباحة موضوعية أم ثقافية:
ربما السؤال الأساسي الذي سيساعدنا في فهم موضوع الكتاب، وأود أن انطلق منه في هذه المراجعة. هل القباحة مفهوم وتركيب موضوعي أو ثقافي؟ ماذا نقصد بالموضوعي والثقافي؟الموضوعي:
يعني أن هذا الوصف متأصل في الشيء نفسه، يدركه عقلك بمعزل عن الثقافة أو الرأي الذاتي.
مثال:
لو سألتك ما لون عينك ستقول مثلا اسود ، وهذا الون متأصل في عينيك، وهووصف موضوعي بمعزل عن الثقافة، فلن تكون عينيك، بالنسبة للثقافة الشرقية سوداء وخضراء بالنسبة للثقافة الغربية، لكن هل عينيك أو هذا اللون جميل؟ أوقبيح؟.
الثقافي:
أولا، هذه أوصاف ثقافية ذاتية ليست متأصلة في العين نفسها، أو صفة ملازمة لوجودها، بل هي في إدراكنا نحن، ومن خلال الثقافة اصطلحنا مفهوم الجمال والقباحة، واصبغنا على الأشياء، هذه الأوصاف، لكن الحد بين الموضوعي والثقافي قد يتداخل أحيانا.
على سبيل المثال تفضيل الإنسان لون معين والحكم عليه بوصفه. جميل، أو قبيح؟هل هو ثقافي تماما، بمعنى أن الإنسان اكتسب هذا الميل، وحكم عليه من خلال الثقافة المحيطة التي نشأ فيها؟ أو ربما كان في دماغ الإنسان، وأعصاب وجيناته، ما دفعته ليميل إلى هذا الشكل.
مثلما وجد أن العقل البشري يميل لتفضيل التناظر في الأشكال، كجسم الإنسان الذي يتطابق نصفه الأيمن ظاهريا مع نصفه الأيسر، أو مثل بعض الدراسات العلمية التي تطلب من المشاركين فيها النظر إلى لوحات فنية متنوعة، وأظهر التصوير المغناطيسي للدماغ أن الأعمال الفنية التي اعتبرها المشاركون جميلة، فعلت مناطق في الدماغ مرتبطة مع الحب.
في حين الأعمال التي اعتبرها المشاركون قبيحة، فعلت مناطق القشرة الدماغية المرتبطة مع الهرب. هذه مسألة علمية شائكة تدرس في حقل الجماليات العصبية، الذي يبحث فيما لو كان في أدمغتنا بطبيعتها معايير لتمييز القبيح من الجميل، وهو ما جعله محفوف بالمخاطر.
تاريخ القباحة:
بغض النظر، اتفقنا مع مفهوم القباحة أولا، وهذا مهم، التنبه له من الآن، لأننا سنمر بمفاهيم مختلفة، ليس القصد منها قبولها، إنما عرضها بعض من التاريخ الثقافي للقباحة، فالكاتب والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو في كتابه أجلنس أو في القباحة، وهو من كتب البديعه إللي وقعت عليها من إحالات المؤلفة، كان يرى أن هناك أشياء قبيحة في ذاتها، وكان الفرق بين الأشياء القبيحة في ذاتها، وبين القباحة الشكلية. ومثل عن القباحة في ذاتها، بالفضلات أو الجثث المقطعة التي تفوح منها رائحه نتنه. يعني كل ما يثير الاشمئزاز والنفور كردة فعل طبيعية، فهذه قباحة في ذاتها. بالنسبة ل إيكو، بينما القباحة الشكلية عنده هي الناتجة عن نقص أو خلل في أجزاء الشكل، إن بكونها غير موجودة، أو موجودة في غير محلها، أو غير متناسقة مع الصورة الكاملة في شكلها الطبيعي وليس لقبح الجزء نفسه.
مثلا، أمبرتو إيكو استخدم مثال شخص بلا أسنان أو ببضع اسنان. ويقول أن ما يزعجنا ليس شكل الشفاه و للأسنان المتبقية في الفم، إنما غياب أسنان كان ينبغي أن تكون موجودة في الفم. فالقباحة عند أيكو هنا هي في الصورة الشكلية، وهذا النوع قريب من تعريف. استشهدت به المؤلف في أكثر من موضع في الكتاب.
وهوتعريف ماركو ينز حينما قال "القباحة هي مادة خارج المكان، يعني الشي القبيح هو الشىء الموجود الذي لا ينبغي ان يكون موجودا او موجود في المكان الخاطىء، وهذا المفهوم قائم على افتراض وجود صورة معيارية او طبيعية وان القباحة هي حالة عن الانزياح او الشذوذ عنها.
مسلسل الخيال العلمي The Twilight Zone:
تم انتاج هذا المسلسل في عام ١٩٦٠ وهويجسد مفهوم القباحة تصور هذه الحلقة من خلال قصتها، كيف يتحدد مفهوم القباحة من خلال الثقافة والعلاقة بالآخر وليس لوجود قبح موضوعي.حيث يبدأ المشهد بإمرأة على سرير المستشفى ورأسها ملفوف بضمادات جراحية، وكانت تندب حظها لأنها خلقت قبيحة.
يشيح الناس بوجوههم عنها إذا نظروا، منذ كانت طفلة، وأجرت عدة عمليات جراحية تجميلية باءت حتى وصلت للعملية رقم ١١ وكانت خائفة من فشل هذه العملية لأنها المحاولة الاخيرة لها فقانون الولاية كان ينفي المشوهين إلى مكان خاص بنوعهم إذا لم يستطيع معالجة قبحهم حتى لا يؤذي الناس والمظهر العام بشكلهم.
ما كانت وجوه الأطباء والممرضين تظهر في المشهد،فلما أزالو الضمادات عن وجهها. أعلن الطبيب فشل العملية وردد لم يتغير شيء. لم يتغير شيء أبدا. لكن مفاجأة بالنسبة لي ولأي مشاهد هي أن المرأة حينما أزيلت الضمادات عن وجهها كانت جميلة فكيف فشلت العملية!.
صرخت المراة وحاولت الهرب منهم حتى لا تُنفى فأمسكوا بها واشعل الطبيب ضوء الغرفة وهنا الحبكة الذكية في القصة لأننا سنكتشف وجه الطبيب والممرضين وكل من حولها بملامح مشوهة وقبيحة. ولكن لما كانت هذه الملامح هي القاعدة الطبيعية في عالمهم. حكموا على استثنائية ملامحها بالقبح.
فصارت القباحة هي القاعدة والجمال والانحراف عن تلك القاعدة لتختتم الحلقة القصة بمشهد رجل خلق بنفس قبحها جاء ليأخذها إلى المنفى. وحينما سألت لماذا خلقنا هكذا؟ قال أن الجمال هو في عين الرائي، وطمأنها بأن لن تشعر بالتهميش عندما تذهب إلى القبلية التي يسكن فيه نوعها.
الخاتمة:
مفهوم القباحة، مرتبط في العلاقة مع الآخر، ولذلك تعمد بعض القصص والروايات والسينما إلى خلق شخصية قبيحة مع الجميلة أو العكس، لتبرز جمال الجميل وقبح القبيح، مثل فكرة الخير والشر فتضع مقابل سندريلا، الأختان غير الشقيقتين، ومقابل سنوايت الملكة الشريرة.
اقتباسات من الكتاب:
الجمال، هو على نحو ما، مملٌّ. رغم أنّ مفهومه يتبدّل عبر العصور، لكن على الشيء الجميل دائماً أن يتبع قواعد معيّنة… القباحة غير متوقّعة وتقدّم مجالاً لانهائيّاً من الاحتمالات. الجمال محدود، أمّا القباحة فلانهائيّة، مثل الله.
معنى «قبيح» يتبدّل ويتجاوز الحدود، لذلك هو يقوّض جدلاً الحدّ الفاصل بين «نحن» وَ «هم». القباحة تحرّضنا على إعادة تقييم الحدود الثقافيّة، بما فيها الأجساد التي يتمّ ضمّها وإقصاؤها.