random
أخبار ساخنة

نقد كتاب دلالة الألفاظ المشروع الوطني للقراءة

الصفحة الرئيسية
ما علاقة التبغدد ببغداد؟ والولادة القيصرية بقيصر؟، وما اصل كامة (جاب ) في اللغة؟ و كيف تكونت الدلالة في المقام الاول؟ كيف نشأت؟ ما الذي جعل الكتاب هو الكتاب و الحب هو الحب والغضب والجهل والشرير والفظيع والسعيد تكتسب دلالاتها؟ وهل هذه الدلالات ثابتة أم تنمو وتتطور؟ وإذا كانت تتطور فما هي عوامل تطورها وأعراض هذا التطور؟ سنتعرف، على إجابات هذه التساؤلات من خلال  مراجعة كتاب دلالة الألفاظ للدكتور المصري إبراهيم أنيس المتوفى سنة 1977.



مراجعة كتاب دلالة الألفاظ



 يحتوي الكتاب على اثنا عشر فصل بطبيعة الحال لم أستطيع أن أتطرق في هذه المراجعة إلا على بعض الفصول وبكثير من الإجاز المخل للأمانة، ففي الكتاب تفاصيل كثيرة يقع في 200صفحة تقريبا وهناك مسائل بعضها محل جدل وخلاف كنت أتمنى لو يسعفنا الوقت لإستعراضها.

افكار المؤلف:

إبراهيم أنيس له بعض الأفكار التي يخالف فيها رأي كتير من اللغويين ويعرفها المختصون في اللغة، لكن ثمة نقطة من المهم التنبه لها  ليست كل فكرة ينقلها مؤلف الكتاب يتبناها ويمكن تقسيم الأفكار الواردة في الكتاب لثلاثة اقسام:

١- هناك أفكار يعرضها المؤلف ويفندها فهذه واضحة أنها فكرة لا يقول بها المؤلف وإنما عرضها لتفنيدها.
٢- هناك أفكار يصرح المؤلف بأنها رأيه فيقول رأيى في المسألة كذا أو بأي عبارة أخرى، وحتى هذه العبارات قد تختلف في درجة جزم المؤلف بها من عدمه، فقد يعبر الكاتب عن فكرة ما بأنه يميل إلى هذه الفكرة وقد يجزم بها.
٣- وهناك أفكار في الكتاب وهي كثيره تشير أن المؤلف عند عرضها يقول كما عند بعض اللغويين، كما يرى بعض اللغويين او كما يقول بعض العلماء أو ينسبها إلى عالم بإسمه فهذه لا تعني بالضرورة أنها رأي المؤلف بل قصده منها مجرد عرض الاراء في المسألة.

لذلك قد تجد فكرتين تظنها متناقضة بينما لو دققت في كلامه لوجدت بانه لم يقل بان هذا رأيه وإنما عرض لك راي بعض اللغويين. والتنبه لمثل هذه التفاصيل مهم جدا سواء في هذا الكتاب أو غيره خصوصا في كتب اللغة لأنهم يعنون الكلمة عند استعمالها.

مثال توضيجي:

لو عرضت لكم شكلين متطابقين في كل شيء إلا في الحجم، واحد صغير والآخر كبير و خيرتكم بين اسمين (زليع) و(زلوع) وطلبت منكم التنبؤ أيهما (زليع) وأيهما (زلوع) فكيف سيكون اختياركم؟ 

إن كنت قد اخترت (زليع) للشكل الصغير و(زلوع) للشكل الكبير، فإن هذه هي نتيجة غالبية الطلاب الذين أجرى عليهم مؤلف هذا  الكتاب هذه التجربة وهي تؤكد ملاحظة أشار إليها بعض اللغويين في ارتباط الكسرة أو ياء المد مع صغر الحجم أو الضعف أو ضيق الوقت سواء في العربية أو في بعض اللغات الأخرى. لست أدري إن كان هذا من قبيل المصادفة إذا استحضرنا شخصية توم وجيري مثلا أن نجد الملاحظة نفسها.

كيف تكونت الدلالة:

هي كيف تكونت الدلالة في المقام الاول؟ كيف نشأت؟ ما الذي جعل الكتاب هو الكتاب و الحب هو الحب والغضب والجهل والشرير والفظيع والسعيد تكتسب دلالاتها وهل هذه الدلالات ثابتة أم تنمو وتتطور وإذا كانت تتطور فما هي عوامل تطورها وأعراض هذا التطور؟

وما علاقة التبغدد ببغداد والولادة القيصرية بقيصر سنتعرف، على إجابات هذه التساؤلات من خلال كتاب هذا الأسبوع فدعونا نستعرض كتاب دلالة الألفاظ للدكتور المصري إبراهيم أنيس المتوفى سنة 1977.

يبدأ الكتاب بفصل نشأة الكلام لأننا لا نستطيع أن نتحدث عن دلالة الألفاظ ما لم نبدأ بكيف نشأت دلالة الألفاظ الأولى وهذا المبحث عادة ما تبدأ به كتب اللغة واختار المؤلف لهذا الفصل عنوان نشأة الكلام لا نشأة اللغة حتى يخصص الحديث هنا عن التعبيرات الصوتية الإرادية للكلمات ولا تدخل معها لغات التعبير الأخرى كلغة الإشارة.

 وهذه المسألة قديمة حتى أن أحد الفراعنة أراد البرهنة على أن اللغة المصرية هي أقدم اللغات فعزل طفلين منذ ولادتهما حتى لا يسمعان أي كلمة من أحد وكفل لهما طبعا الطعام والشراب حتى يقبض على أول كلمة ينطقان بها، فأحبط لأن أول كلمة كانت (بيكوس) التي تعني الخبز في اللغة الفريجية.

 وتكررت هذه المحاولات في قرون مختلفة من ملوك آخرين بنتائج مختلفة تحيل إلى فشلها، وصار بعض العلماء يرون هذه المسألة من المسائل الميتافيزيقية أو ما وراء الطبيعة، ولا جدوي من البحث فيها إبراهيم أنيس يميل إلى أن الأصوات التي نطق بها الإنسان لم تكن بغرض الأفهام أو إيصال المعاني التي هي وظيفة اللغة الأساسية، بل كانت أصواتا غريزية.

يطلقها الإنسان بغرض اللهو واللعب والغناء أشبه بمناغاة الأطفال، ثم يحدث مصادفة وقوع حدث ما عند النطق بهذا الصوت أو ذاك فيرتبط الصوت به ويكتسب دلالته ثم تصبح الدلالة في صيرورتها وتتحول وتتطور ويرى أنيس بأن الكلمات كانت طويلة، أي أن الأصوات كانت طويلة ثم مالت نحو التقصير فاللغة عبارة عن الأصوات.

حتى الطفل عندما يلتقط الكلام من أبويه، ومن حوله، يلتقطه ككتل غير منفصلة بمعنى لا يفصل حين تقول هذا الكتاب بين كلمة هذا وكلمة كتاب بل يتلقاها كوحدة صوتية غير منفصلة ثم عندما تتكرر عليه الجمل والكلمات في مناسبات متعددة ومختلفة يقوم بعملية تحليل الكلام إلى اجزاء.

الدلالات واللغة:

فمن لا يفقه اللغة من أصحاب اللغات الأخرى لا يستطيع أن يدرك حدود الكلمات في الجملة، بل حتى أهل اللغة قد يختلط عليهم، ويترتب على هذا الخلق نشوء كلمات جديدة.مثل الكلمة العامية (جاب) نقول فلان جاب الكتاب بمعنى أتى بالكتاب أو أحضره فهذه الكلمة نشأت من جاء بكذا.

جاء بالكتاب لكن مع النطق جاء بكذا جاء بكذا، جاب كذا توهمنا كلمة (جاب) واستخدمناها مع ان الفعل (جاب) بالمناسبه موجود في المعجم العربي الفصيح ولكن بدلالة مختلفة ومنه قوله تعالى {وثمود الذين جابو الصخر بالواد }أي قطعوا الصخر بالواد لكن (جاب) العامية التي نشأت من جاء بكذا غير جاب التي في صورة الفجر وهذه من مظاهر الدلالات حينما تشترك في اللفظ الواحد.

وتغلب الدلالة الأخيرة  أو الحديث الدلالة القديمة حتى تُنسى القديمة، وربما توهم بعضهم إذا قرأ {جابوا الصخر بالواد} أنها جاب بمعنى جاءوا به أو مثل لو قرأ أحد في سورة يوسف (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم) فتوهمها السيارة التي نعرفها اليوم فالدلالات يحدث لها أحيانا أن تتطور إلى دلالة مختلفة ويحدث أن تغلب دلالة حديثة دلالة قديمة.

 ولذلك حذر أستاذ في الأدب الإنجليزي كما اشار المؤلف من ألالفاظ التي نظن أننا نفهم معناها يقول" أنا ما أخشى عليكم من الألفاظ الغريبة في أدب شكسبير التي لا تعرفونها لأنكم ستبحثون عنها في مضامنها، لكني أخشى عليكم من الألفاظ التي ما زالت على صورتها ولكن بدلالة غير دلالتها السابقة فتتوهمون انها واضحة ومألوفة لا حاجة للبحث عنها، بينما هي تغيرت واختلفت.

انواع الدلالات:

 عموما هذا النوع من الدلالات دلالات معجمية أو إجتماعية لكل كلمة معنى تعارف عليها الناس فهناك نوع من الدلالة نستمده من طبيعة صوت الكلمات تعرف بالدلالة الصوتية مثل لو أردنا أن نقارن بين كلمة (تنضخ) وكلمة (تنضح) نجد أن ن (تنضخ) بالخاء هي فوران السائل في قوة وعنف بينما (تنضح) بالحاء هي تسرب السائل ببطء لذلك ناسب صوت الخاء الثقيل القوة والعنف والحاء البطء كما يرى بعض اللغويين.

 هناك مظهر آخر للدلالة الصوتية يكمن في النغمة الكلامية أي أن الكلمة أو الجملة نفسها تختلف دلالتها باختلاف نغمتك في النطق بها.وفي اللغة الصينية، قد تكون للكلمة الواحدة عدة دلالات، وهي لا تختلف إلا في النغمة والمؤلف استدل على هذه الفكرة بعبارة لا يا شيخ التي قد نستخدمها للاستفهام أو الإستنكاراو التهكم.

لكن هل ماسبق يعني ان هناك صلة بين اللفظ والدلالة وهل هذه الصلة طبيعية أوعرفية؟ طبيعية يعني مثل الصلة بين النار والاحتراق أو الجاذبية صله حتمية، يعني هذا الصوت يثير في الذهن هذه الدلالة أوصلة ارتباطية تعارف عليها الناس وربما الذي دفع ببعض من رأى وجود صلة بين الألفاظ والدلالات هي الأمثلة التي استعرضناها والقدرة التي ندعوها بالسليقة اللغوية التي تمكننا أحيانا من استيحاء دلالة ألفاظ لا نعرفها.

نمو الدلالات:

هناك تعبير لطيف جدا للمؤلف يقول دلالات الأطفال هي أطفال الدلالات، وبالفعل هناك قدر من التشابه بين الدلالة والإنسان، فهي تحيا طفلة ثم تكبر وتختلف ملامحها تنضج تشيخ وقد تموت والدلالة تختلف باختلاف تجاربنا والظروف المحيطة بنا وتختلف باختلاف المناسبات التي قرعت فيها الكلمة أسماعنا.

 حتى لو كان هناك جزء مشترك من الدلالة، وهذا قد يخفى في بعض الكلمات ويظهر في كلمات أخرى فدلالة الله عنه من يستسهل استعماله مثلا لأى شتيمة او سب غير دلالة اللعن في نفس من تعود حرمتها على لسانه ويراه طرد من رحمة الله وغيره من الحمولة الثقافية للكلمة.

 وهذه يحيلنا إلى فكرة خصص لها المؤلف فصل في الكتاب بعنوان المركز والهامش في الدلالة، فلكل كلمة دلالة نشترك جميعا في فهمها وهي المدونة في المعاجم وهذه هى الدلالة المركزية ولولاها ماستطعنا التواصل مع بعضنا، لكن أيضا هناك دلالة هامشية.يشبهها المؤلف بالظلال التي تختلف باختلاف تجاربنا وأمزجتنا وثقافتنا.

تطور الدلالات:

فدلالة كلمة الصديق عندي ليست بالضرورة هي دلالة الصديق عندك ويستغل الأدباء والشعراء هذه الدلالة الهامشية في خلق الصور والتشبيهات والمجازات، وهذه التشبيهات والكنايات والمجازات قد تكون مسؤولة عن تطور بعض الدلالات، والمؤلف خصص فصلا استعرض فيه عوامل تطور الدلالة.

ودراسة هذه التطورات الدلالية مهمة لأنها قد تكشف لنا بعض الأحداث التاريخية فمما يذكر على سبيل المثال أن لقب القيصر يعود إلى اسم أحد أباطرة الرومان يوليوس قيصر ثم صار يطلق على اسم كل حاكم عظيم صاحب إمبراطورية عظيمة سنجد هنا نوعا من التطور قد حصل بل حتى اسمه قالوا أن معناه في اللاتينية يقطع أو يشق لأنه ولد بعد عملية شق البطن فأطلق عليه هذا الإسم ومنها جاءت تسمية العملية القيصرية أو الولادة القيصرية.

مثال آخر اللفظ الشائع في بعض البلدان العربية البغددة التي تأتي بمعنى التدلل ويستعمل غالبا في وصف المرأة جاء من استعمال قديم لما كانوا يقولون تبغدد الرجل أي انتسب إلى بغداد وأهلها وصار متحضرا في سلوكه لأنهم كانوا ينظرون إلى بغداد كما ننظر اليوم إلى المدن الأوروبية.

الدلالات في الترجمة:

ولك أن تتخيل بعد كل هذا مشقة الترجمة حينما تنقل مفردة من لغة إلى أخرى وهي محملة بالدلالة المركزية والهامشية والتاريخية والصوتية كذلك لأن جمالية بعض العبارات هي في صوتها وموسيقاها والذي كان يهتم بها العرب كثيرا بل يزعم المؤلف ان العرب في الجاهلية كانوا يعنون بالصوت أكثر من المعنى وأن ذلك يعود لأميتهم التي تعتمد على الصوت.

 وخذوا على سبيل المثال عندما تظلم رجل للمأمون وقال له يا أمير المؤمنين( ما ترك لي فضة إلا فضها ولا ذهبا إلا ذهب به ولا غلة إلا غلها ولا ضيعة إلا أضاعها إلى آخر ما قال) وهو ما يعرف بالجناس في علم البديع والذي يكمن جماله في تشابه ألفاظه وصوته والذي لا يمكن ترجمته لذلك كانت ترجمة العلوم أسهل.

 لأن دلالته اللفظية محدودة ومباشرة على عكس النصوص الأدبية التي تعتمد على التصوير والعاطفة والتأثير والانفعال وتعتمد على صوت الكلمات وجرسها الموسيقي في تحقيق ذلك والمؤلف بالمناسبة يتنبأ في هذا الكتاب بأن الكتابة ستفقد أهميتها في التسجيل والتتويج ويحل محلها صوت والسماع ما هو رأيكم هل تحقق تنبؤه ؟ اكتبوا في التعليقات.

نقد الكتاب:

يعيب الكتاب فقط أو يعيب النسخة التي قرأتها بعض الأخطاء المطبعية، لكن الكتاب عموما يستحق القراءة ولازم حتى لغير المختصين بالنسبة لي وأعتذر عن الإطالة لم اكن أتوقع أن تطول إلى هذا الحد لكن لعله في طولها تعويض عن غيابات الماضي لا تنسوا مشاركة المراجعة والمدونة لأصدقائكم ونلقاكم في مراجعة جديدة.
google-playkhamsatmostaqltradent